ظهرت قوائم الكتب الاكثر مبيعا في الولايات المتحدة عام 1895 عندما نشرت مجلة (بوكمان) اول قائمة من هذا النوع. اما البريطانيون فقد قاوموا طويلا فكرة ادراج هذه القائمة في صحفهم، بحجة انها اداة تساعد بائعي الكتب علي الترويج لما يريدونه من مؤلفات لم تبع كما كان متوقعا لها. الي ان بادرت صحيفة (صنداي تايمز) عام 1974 وثبتتها في عددها الاسبوعي كل أحد وتبعتها بقية الصحف بعد ذلك. وبسبب وقوف الصحف بالمرصاد ومراقبتها للارقام القادمة من بائعي الكتب ودور النشر، حققت تلك القوائم مصداقيتها وبات من الصعب التلاعب بها.
المنطقة العربية لم تمتلك حتي الان، بحسب علمي، قائمة لها مصداقية تدلنا بصراحة الي مبيعات الكتب. سأشير في هذا السياق الي تجربة بادرت بها صحيفة عربية قبل سنوات عندما اتصلت بمكتبة كبري لتحصل منها علي قائمتها الاسبوعية، ثم تبين بعد فترة ان هناك تواطؤا مع بعض الكتاب الذين تبيع لهم المكتبة، للترويج لكتبهم، وبذلك فشلت المحاولة الصحفية تلك واكتفت بترجمة القوائم الغربية.
اضافة الي غياب القائمة، فان اسباب رواج الكتب تختلف ايضا بين العالمين. الغرب لا يعاني من غياب الحريات، والشفافية هي الاساس في المجتمع، لذا تنفجر الفضائح بسرعة عند اكتشاف كذب مسؤول او شخصية شهيرة اخفيا جانبا من حياتهما عن الجمهور. اما عندنا، فالمسكوت عنه والمخفي والممنوع هم الاساس في مجتمعات تسمي نفسها محافظة، لكنها متواطئة مع الكذب والنفاق تحت شعار الحفاظ علي قيم المجتمع . من هنا تصير المناطق المعتمة في حياة البشر حقولا خصبة لان يخوض بها الكاتب وينبش بجرأة. هذه الرغبة في قراءة المفضوح من الاسرار باتت تغطي علي الاهمية الادبية للرواية، بل علي مستوي الكتابة بصورة عامة، فيتم تجاوز الركاكة والقيمة الادبية لعمل لا يمكن قراءته في اغلب الاحيان سوي قراءة واحدة خبرية، لانه افقر من تقديم قراءة ثانية تحليلية للمجتمع الذي يتحدث عنه.
في الغرب لا ينجح الحضور التسويقي بمفرده في اعطاء الكاتب حضورا ادبيا مؤثرا. فارتفاع المبيعات لها علاقة بذائقة وقتية، ثم انها معنية اساسا بالكم، بينما يركز مراجعو الكتب في الصحف والمهتمون بالشأن الثقافي علي النوعية. هذا الفصل هناك، يقابله ارتباك في الثقافة العربية امام ظاهرة ارتفاع المبيعات التي تمنح صاحب العمل قامة عالية في المشهد الثقافي. كذلك تترجم ظاهرة الروايات العربية الرائجة معلومات خاطئة عن مجتمع يظن انه يقرأ. هل يمكن القول ان نسبة القراءة في مجتمع ما عالية لمجرد ان كتبا من نوعية معينة تبيع برواج عال؟
وقد يعلق شخص ما علي ما سبق بالاستشهاد بالترجمات الكثيرة لتلك الاعمال الي لغات اخري. في الحقيقة هي خدعة تغوينا وتشوش علي تقديرنا للامور. الغرب يحب ان يتلصص علي العوالم الاخري من خلال ادبه لانه اكثر تسلية من الكتب الاجتماعية والسياسية، ومن خلاله يتسلي القراء ايضا في معرفة كيف يحب البشر البعيدون عنهم وكيف يكرهون وكيف يمارسون الجنس. وما يدعم هذا الكلام ان الترجمات الادبية من العالم الثالث يندر ان تتحول الي ظاهرة ادبية أو نموذج في الكتابة تنافس التراث القومي.
لا يعني الكلام السابق ان ارتفاع نسبة المبيعات وجودة الكتابة لا يتجاوران، يحدث ذلك ولكن بحدود ضيقة. انها حالة تشبه رواج السينما المثيرة امام السينما الجادة، مثلا، او رواج المجلات الخفيفة مقابل محدودية مبيعات الصحف الرصينة. لكل جمهوره علي اية حال، والامر ينطبق علي الاعمال الروائية ايضا. وفي الغرب لا تشمل الجوائز الادبية المرموقة، في بريطانيا علي الاقل، اعمالا روائية بوليسية او رومانسية او روايات تشويق. هذه لها جوائزها المستقلة. ولو ان المشهد الثقافي العربي نشط بما فيه الكفاية، لما اختلطت الامور بهذه الكيفية، ولسار كل انتاج بمساره لا يشوش علي غيره.فيما يلي ننشر شهادة الكاتبة السورية غالية قباني عن قوائم البيست سيلر، والمحددات التي تجعل من عمل ما بيست سيلر في عالمنا العربي، وهو الموضوع الذي كنا قد طرحناه في بستان الكتب الماضي